{اعلموا أَنَّ الله يُحْىِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا} تمثيلٌ لإحياءِ القلوبِ القاسيةِ بالذكرِ والتلاوةِ بإحياءِ الأرضِ الميتةِ بالغيثِ للترغيبِ في الخشوعِ والتحذيرِ عن القساوةِ {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الأيات} التي من جُمْلتِها هذهِ الآياتُ {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} كي تعقلُوا ما فيهَا وتعملُوا بموجبِها فتفوزُوا بسعادةِ الدارينِ.{إِنَّ المصدقين والمصدقات} أي {المتصدقينَ والمتصدقاتِ} وقد قرئ كذلكَ، وقرئ بتخفيفِ الصادِ من التصديقِ، أي الذينَ صدقُوا الله ورسولَه {وَأَقْرِضُواُ الله قَرْضاً حَسَناً} قيلَ: هُو عطفٌ على ما في المصدقينَ من مَعْنى الفعلِ فإنَّه في حُكمِ الذين اصدَّقُوا أو صَدَقُوا عَلى القراءتينِ وعُقبَ بأنَّ فيهِ فصلاً بين أجزاءِ الصلةِ بأجنبيَ وهو المُصدِّقاتِ وأُجيبَ بأنَّ المَعْنى أنَّ الناسَ الذينَ تصدَّقُوا وتصدَّقنَ وأقرضُوا فهو عطفٌ على الصلةِ من حيثُ المَعْنى من غيرِ فصلٍ، وقيلَ إنَّ المُصدِّقاتِ ليسَ بعطفٍ على المُصدِّقينِ بل هُو منصوبٌ على الاختصاصِ كأنه قيلَ إنَّ المصدقينَ على العموم تغليباً وأخصُّ المصدقاتِ من بينهُم كما تقولُ إنَّ الذينَ آمنُوا ولا سيَّما العلماء منهُم وعملُوا الصالحاتِ لهم كَذا لكنْ لا على أنَّ مدارَ التخصيصِ مزيدُ استحقاقِهنَّ لمضاعفةِ الأجرِ كما في المثالِ المذكورِ بل زيادةُ احتياجهنَّ إلى التصدقِ الداعيةُ إلى الاعتناءِ بحثهنَّ على التصدقِ لما رُويَ أنَّه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ قالَ: «يا معشرَ النِّساءِ تصدَّقن فإنِّي أرُيتُكنَّ أكثرَ أهلِ النَّارِ» وقيلَ: هو صلةٌ لموصولٍ محذوفٍ معطوفٍ على المصدقينَ كأنَّه قيلَ والذينَ أقرضُوا. والقرضُ الحسنُ عبارةٌ عنِ التصدقِ من الطيبِ عن طيبةِ النفسِ وخلوصِ النيةِ على المستحقِّ للصدقةِ. {يُضَاعَفُ لَهُمُ} على البناءِ للمفعول مُسنداً إلى ما بعدَهُ من الجارِّ والمجرورِ، وقيلَ: إلى مصدرِ مَا في حيزِ الصِّلةِ على حذفِ مضافٍ أيْ ثوابُ التصدقِ. وقرئ على البناء للفاعل أي يُضاعِفُ الله تعالَى، وقرئ: {يُضعَّفُ} بتشديدِ العينِ وفتحِها {وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} مرَّ ما فيهِ من الكلامِ.{والذين ءامَنُواْ بالله وَرُسُلِهِ} كافةً وقد مرَّ بيانُ كيفيةِ الإيمانِ بهم في خاتمةِ سورةِ البقرةِ.{أولئك} إشارةٌ إلى الموصولِ الذي هُو مبتدأٌ وما فيهِ من مَعْنى البُعدِ مع قُربِ العهدِ بالمشارِ إليهِ قد مرَّ سرُّه مراراً، وهو مبتدأٌ ثانٍ. وقولُه تعالَى: {هُمْ} مبتدأ ثالث خبره {الصديقون والشهداء} وهُو معَ خبرِه خبرٌ للثانِي وهو معَ خبره خبر للأول أو هم ضمير الفصل، وما بعده خبر لأولئك والجملة خبر للموصولِ أي أُولئكَ {عِندَ رَبّهِمْ} بمنزلة الصديقينَ والشهداءِ المشهورينَ بعلوِّ الرُّتبةِ ورفعةِ المحلِّ وهُم الذينَ سبقُوا إلى التصديقِ واستُشْهِدوا في سبيلِ الله تعالى أو هم المبالغونَ في الصدقِ حيثُ آمنُوا وصدَّقُوا جميعَ أخبارهِ تعالَى ورسلِه والقائمونَ بالشهادةِ لله تعالى بالوحدانيةِ ولهم بالإيمانِ أو على الأممِ يومَ القيامةِ وقولُه تعالى: {لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} بيانٌ لثمراتِ ما وُصفُوا بهِ من نعوتِ الكمالِ على أنَّه جملةٌ من مبتدأٍ وخبرٍ محلُّها الرفعُ على أنَّه خبرٌ ثانً للموصولِ أو الخبرُ هو الجارُّ وما بعدَهُ مرتفع بهِ على الفاعليةِ والضميرُ الأولُ على الوجهِ الأولِ للموصولِ والأخيرانِ للصديقينَ والشهداءُ أيْ لَهُم مثلُ أجرِهم ونورِهم المعروفينِ.بغايةِ الكمالِ وعزةِ المنالِ وقد حذفَ أداةَ التشبيةِ تنبيهاً على قوةِ المماثلةِ وبلوغِها حدَّ الإتحادِ كما فعلَ ذلكَ حيثُ قيل هم الصديقونَ والشهداءُ، وليستِ المماثلةُ بين ما للفريقِ الأولِ من الأجرِ والنورِ وبينَ تمام ما للفريقين الأخيرين بل بين تمام ما للأول من الأصل والأضعاف وبين ما للآخرين من الأصل بدون الأضعافِ وأمَّا على الوجهِ الثاني فمرجعُ الكلّ واحدٌ والمَعْنى لهمُ الأجرُ والنورُ الموعودان لهم، هَذا هو الذي تقتضيِه جزالةُ النظمِ الكريمِ وقد قيلَ والشهداءُ مبتدأٌ وعندَ ربِّهم خبرُهُ وقيلُ: الخبرُ لَهُم أجرُهم إلخ {والذين كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بآياتنا أُولَئِكَ} الموصوفون بتلك الصفةِ القبيحةِ {أصحاب الجحيم} بحيثُ لا يفارقونَها أبداً.